الغش في الامتحانات بالذكاء الاصطناعي

20 يوليو 2023 215 5.0
نبوغ طلابي مفاجئ يثير حيرة المعلمين وأكاديميي الجامعات

كأن طلاب المدارس كان تنقصهم وسيلة ابتكارية حديثة لتسهيل الغش في الاختبارات والفروض والامتحانات قبل أن تحمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي البشري لهم على طبق من تكنولوجيا لتدغدغ مخيلة وألاعيب بعض الطلاب، وليلتبس على الأساتذة والمعلمين في المدارس والجامعات الأمر بهبوط "الشطارة" وتنظيم الأفكار وسلامة اللغة فجأة على طلاب عهدوهم خلال السنة الدراسية بأداء مختلف.

تتذكر الأجيال القديمة الغش في الامتحانات بالعيون الزائغة والحركات المترددة، وحين تتزايد الجرأة ترتفع معدلات الترقب والتريث قبل فتح الطالب (رشتة) أي ورقة مكتوب عليها بعض ما لم يحفظه، أو معادلة ما، أو رؤوس أقلام تهديه إلى الجواب الصحيح.

ولطالما تغيرت أساليب الغش من الكتابة على المساطر والمحايات والطاولات وتحت المقاعد إلى قصاصات أوراق ملفوفة مخبأة في زوايا الملابس أو الأحذية، إلى الكتابة داخل القمصان ومراويل (زي) المدارس، وعلى الجوانب الداخلية للأحزمة أو على أجزاء من الجسم، أو داخل المقلمة أو غلاف الآلة الحاسبة وسواها من الأماكن التي يستطيع كل قارئ لهذا المقال إضافتها بحسب ما أتيح لعصره من وسائل.

هذا بالطبع عدا الغش الذي يأتي من دون تحضير، ويكون على شكل اختلاس النظر لإجابات طلاب آخرين أو سؤالهم عن الإجابة بالهمس أو بلغة الإشارة إذا أتاحت ظروف المراقبة ذلك.

وما إن دخل الجوال إلى صفوف الامتحانات حتى تم رصد كثير من حالات الغش أولاً عبر الرسائل النصية، بعدها مع النسخ الذكية منه في نصوص رسائل البريد الإلكتروني (الإيميل) ثم باستخدام الوثائق المطبوعة أو المصورة المحفوظة وصولاً إلى السماعات البلوتوث، والساعات الذكية وسواها.

أمام ضبط حالات كثيرة بعد تحول الغش اليدوي إلى إلكتروني أرست وزارات التعليم بعدة دول عديداً من الضوابط في قاعات الامتحانات، ومنع إدخال الهواتف، وكثرت كاميرات المراقبة في الصفوف، وفتش الطلاب بالأجهزة مثل العصا الإلكترونية بمصر والصين والمغرب وسواها.

ذكاء مفاجئ


المعلمة اللبنانية سمر تروي أنها كانت محظوظة لأن طلابها كانوا دون الثامنة من العمر، ولم تصل إليهم بعد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بعد أن سمعت زميلاتها يشكون من مهمة التأكد من أن طلابهن يحلون فعلاً اختباراتهم بأنفسهم، إذ بعد تدخل الأهالي لحل واجبات أولادهم المدرسية أصبح الطلاب يعتمدون على تطبيقات ومواقع الذكاء الاصطناعي.

وتضيف سمر أنها جربت بعض هذه المواقع واستعانت بها لإيجاد أفكار وأسئلة جديدة للطلاب في مادة الفهم (comprehension).

في سياق مختلف، تقول باسمة حرب وهي معلمة في المرحلة المتوسطة، إنها لاحظت فجأة أن طلابها تقدموا في مستوى الكتابة في بعض الفروض، لتكتشف لاحقاً أنهم علموا بعضهم بعضاً استخدام "تشات جي بي تي" لكتابة نصوص الإنشاء، فأتت اللغة الفرنسية في واجباتهم المدرسية صحيحة مئة في المئة، مما دعاها إلى الشك في شلة من الطلاب، لتكتشف بعد التحقيق معهم والتواصل مع أهاليهم أنهم غشوا، فما كان منها إلا أن أعادت الفرض في ساعة دراسية بعد أن جردت الطلاب من هواتفهم.

تقول باسمة إنها لم تكن قد جربت أي تطبيق للذكاء الاصطناعي من قبل، لكنها وجدته مفيداً في التحضير للامتحانات والدروس، وقد يستفاد منه كعنصر مساعد للأستاذ لاختصار وقت البحث أيضاً.

ولفتت باسمة نظر زملائها إلى الأمر ليكتشف معلم الرياضيات أن معظم الطلاب يحلون المسائل باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بخاصة في الجبر والحساب والتفاضل والتكامل، إذ تنبهوا إلى الأمر عندما وجدوا الطلاب ينهون المسابقات بسرعة قياسية.

إجراءات بالجامعة


وتقول الأكاديمية في إحدى الجامعات اللبنانية مريم كردي إنها كشفت عن غش بعض الطلاب بعد تقديمهم مشروع منتصف العام من خلال برنامج يظهر ما إذا كانت الكتابة بشرية أم آلية، لتجد أن أكثر من 60 في المئة من الطلاب استعانوا بتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وتضيف أن بعضاً منهم تحايل فبدل بعض الجمل وطريقة الترقيم والفهرسة، لكنهم في النهاية كشفوا بطرق مختلفة، موضحة أنها ليست ضد استخدام هذه التطبيقات ولكن بطريقة علمية، وليس نسخ النصوص من دون فهمها والتحقق من المعلومات.

في الوقت ذاته منعت كردي إدخال أي وسيلة إلكترونية في امتحانات آخر السنة، كما وضعت جميع الأجهزة الخلوية والساعات الذكية وغير الذكية التابعة للطلاب على الطاولة أمامها أثناء الامتحانات النهائية.

التطبيقات تتنصل


في استطلاع أجرته مؤسسة "بيست كوليدج" مارس (آذار) الماضي على ألف طالب جامعي، وجدت أن 43 في المئة من الطلاب لديهم خبرة في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وأن واحداً من خمسة طلاب في الأقل استخدموها لإكمال واجباتهم المدرسية، في حين تسعة من 10 طلاب جربوا أدواته في مشاريع شخصية بدافع الفضول.

وأظهر هذا الاستطلاع أن 57 في المئة من طلاب الجامعات لا ينوون استخدامه أو الاستمرار في الاعتماد عليه لإكمال الاختبارات، ومع ذلك فإن ثلثهم يفعلون ذلك، كما يفضل 11 في المئة عدم الإجابة، على رغم أن 51 في المئة من الطلاب المستطلعين اعتبروا استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في وظائفهم يشكل غشاً أو سرقة أدبية.

من جهتها اعتبرت شركة "أوبين أي آي" التي صممت "تشات جي بي تي" أن برنامجها هذا يجب ألا يستخدم للتضليل، مما جعلها تطور البرنامج بطريقة تسمح بمعرفة ما إذا كانت النصوص أنشئت بالبرنامج نفسه بواسطة ذكاء آلي أم بشري، وذلك لمنع الغش في كل المجالات، والاستعانة بهذه التقنية بشكل نزيه.

كيف يكشف عن الغش الاصطناعي؟


يستخدم الطلاب الذكاء الاصطناعي للغش في الامتحانات والمشاريع إما بإنشاء النصوص كاملة، أو الإجابة عن الأسئلة المطروحة. ويمكن أن يكون هذا مفيداً للطلاب العالقين في مشكلة معينة، ومساعداً للبحث، مثل استخدام البحث الإلكتروني على "غوغل"، أو المواقع المشابهة من دون الوقوع في السرقة العلمية، ولكن استخدامه للغش والنقل يمنح الطلاب المستخدمين ميزة أو علامة غير عادلة.

ويمكن للأساتذة استخدام الأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لاكتشاف الانتحال، لمنع الطلاب من الغش عن طريق نسخ محتوى من مصادر أخرى، ولكن في الوقت ذاته يمكن للطلاب أيضاً استخدام أدوات الكشف عن الانتحال التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لتحديد المحتوى الذي يمكنهم نسخه من دون الإمساك بهم.

من هنا لا بد للمعلمين غرس ثقافة النزاهة الأكاديمية لثني الطلاب عن الغش، وتوعيتهم بأهمية الصدق الأكاديمي الذي يطور العلوم، ويزيد المعرفة أبعاداً أصيلة غير مفبركة أو منسوخة.

كما لا بد للمعلمين أن يكونوا على دراية بأحدث تقنيات الغش بالذكاء الاصطناعي لمواجهة هذه الآفة فيخضعون مشاريع البحث والفروض للتحري عبر برامج تكشف الكتابة الآلية عن الكتابة البشرية، بخاصة إذا كانت أنماط الكتابة مثالية جداً.

ولعل أبرز هذه التطبيقات (Originality.ai وGPTZero وCopyleaks) وغيرها التي تكتشف الانتحال وتعمل على معالجة اللغة الطبيعية والتعلم الآلي لكشف ما إذا كان المحتوى أنشئ بواسطة الذكاء الاصطناعي أم أنه نتاج بشري.